فصل: تفسير الآيات (36- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم



.تفسير الآيات (26- 27):

{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}
{يا بني آدم} خطابٌ للناس كافةً، وإيرادُهم بهذا العنوان مما لا يخفى سرُّه {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} أي خلقناه لكم بتدبيرات سماويةٍ وأسبابٍ نازلةٍ منها، ونظيرُه {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ} الخ، وقوله تعالى: {بالقسط وَأَنزْلْنَا الحديد} {يوارى سَوْآتكم} التي قصد إبليسُ إبداءَها من أبويكم حتى اضطُروا إلى خصف الأوراق وأنتم مستغنون عن ذلك. وروي أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عرايا ويقولون: لا نطوف بثياب عصينا الله تعالى فيها فنزلت. ولعل ذكر قصةِ آدمَ عليه السلام حينئذ للإيذان بأن انكشافَ العورة أولُ سوءٍ أصاب الإنسان من قِبَل الشيطان، وأنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم {وَرِيشًا} ولباساً تتجملون به، والريشُ الجمالُ وقيل: مالاً، ومنه ترّيش الرجلُ أي تموّل وقرئ {رياشاً} وهو جمعُ ريشٍ كشِعْب وشِعاب {وَلِبَاسُ التقوى} أي خشيةُ الله تعالى، وقيل: الإيمانُ، وقيل: السمتُ الحسَنُ، وقيل: لباسُ الحرب، ورفعُه بالابتداء خبرُه جملةُ {ذلك خَيْرٌ} أو خبرٌ وذلك صفتُه كأنه قيل: ولباسُ التقوى المشارُ إليه خيرٌ وقرئ {ولباسَ التقوى} بالنصب عطفاً على لباساً {ذلك} أي إنزالُ اللباس {مِنْ آيات الله} دالةٌ على عظيم فضلِه وعميمِ رحمتِه {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيعرِفون نعمتَه أو يتّعظون فيتورّعون عن القبائح.
{يا بني آدم} تكريرُ النداءِ للإيذان بكمال الاعتناءِ بمضمون ما صدر به، وإيرادُهم بهذا العنوان مما لا يخفى سببُه {لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} أي لا يوقِعنّكم في الفتنة والمحنة بأن يمنعَكم من دخول الجنة {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة} نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي لا يفتِننّكم فتنةً مثلَ إخراجِ أبويكم، وقد جُوّز أن يكون التقديرُ لا يُخرِجَنكم بفتنته إخراجاً مثلَ إخراجِه لأبويكم، والنهيُ وإن كان متوجهاً إلى الشيطان لكنه في الحقيقة متوجِّهٌ إلى المخاطبين كما في قولك: لا أُرَينّك هاهنا، وقد مر تحقيقُه مراراً {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتهما} حال من أبويكم أو من فاعل أخرج، وإسنادُ النزعِ إليه للتسبيب، وصيغةُ المضارعِ لاستحضار الصورة، وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} أي جنودُه وذريتُه استئنافٌ لتعليل النهي وتأكيدِ التحذيرِ لا منه {مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} {من} لابتداء غايةِ الرؤيةِ، وحيث ظرفٌ لمكان انتفاءِ الرؤية ولا ترَوْنهم في محل الجرِّ بإضافة الظرفِ إليه، ورؤيتُهم لنا من حيث لا نراهم لا تقتضي امتناعَ رؤيتِنا لهم مطلقاً واستحالةَ تمثّلِهم لنا.
{إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين} جُعل قبيلُه من جملته فجُمع {أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي جعلناهم بما أوجدنا بينهم من المناسبة أو بإرسالهم عليهم وتمكينِهم من إغوائهم وحملِهم على ما سوّلوا لهم أولياءَ أي قُرناءَ مسلّطين عليهم، والجملة تعليلٌ آخرُ للنهي وتأكيدٌ للتحذير إثرَ تحذير.

.تفسير الآيات (28- 29):

{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}
{وَإِذَا فَعَلُواْ فاحشة} جملةٌ مبتدأة لا محل لها من الإعراب، وقد جُوّز عطفُها على الصلة، والفاحشةُ الفَعلةُ المتناهيةُ في القبح، والتاء لأنها مُجراةٌ على الموصوف المؤنث أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية، والمرادُ بها عبادةُ الأصنامِ وكشفُ العورة في الطواف ونحوُهما.
{قَالُواْ} جواباً للناهين عنها {وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا والله أَمَرَنَا بِهَا} محتجين بأمرين: تقليدِ الآباءِ والافتراءِ على الله سبحانه، ولعل تقديمَ المقدم للإيذان منهم بأن آباءَهم إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى بها على أن ضمير {أمرنا} لهم ولآبائهم، فحينئذ يظهر وجهُ الإعراض عن الأول في رد مقالتِهم بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء} فإن عادتَه تعالى جاريةٌ على الأمر بمحاسن الأعمالِ والحثِّ على مراضي الخِصال، ولا دِلالةَ فيه على أن قبحَ الفعلِ بمعنى ترتبِ الذم عليه عاجلاً والعقابِ آجلاً عقلي فإن المرادَ بالفاحشة ما ينفِر عنه الطبعُ السليم ويستنقِصُه العقلُ المستقيم، وقيل: هما جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لما فعلوها: لم فعلتم؟ فقالوا: وجدنا عليها آباءَنا، فقيل: لمَ فعلها آباؤُكم؟ فقالوا: الله أمرنا بها، وعلى الوجهين يُمنع التقليدُ إذا قام الدليلُ بخلافه لا مطلقاً {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من تمام القولِ المأمورِ به، والهمزةُ لإنكار الواقعِ واستقباحِه وتوجيهُ الإنكارِ والتوبيخِ إلى قولهم عليه تعالى ما لا يعلمون صدورَه عنه تعالى مع أن بعضَهم يعلمون عدمَ صدورِه عنه تعالى مبالغةٌ في إنكار تلك الصورةِ فإن إسنادَ ما لم يُعلم عنه تعالى إليه تعالى إذا كان مُنكراً فإسنادُ ما عُلم عدمُ صدورِه عنه إليه عز وجل أشدُّ قبحاً وأحقُّ بالإنكار.
{قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} بيانٌ للمأمور به إثرَ نفي ما أُسند أمرُه إليه تعالى من الأمور المنهيِّ عنها، والقسطُ العدلُ وهو الوسَطُ من كل شيء، المتجافي عن طرفي الإفراطِ والتفريط.
{وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} وتوجهوا إلى عبادته مستقيمين غيرَ عادلين إلى غيرها، أو أقيموا وجوهَكم نحو القِبلة {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} في كل وقت سجودٍ أو مكانِ سجودٍ وهو الصلاةُ أو في أي مسجدٍ حضَرتْكم الصلاةُ وعنده ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم {وادعوه} واعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعةَ فإن مصيرَكم إليه بالآخرة {كَمَا بَدَأَكُمْ} أي أنشأكم ابتداءً {تَعُودُونَ} إليه بإعادته فيجازيكم على أعمالكم وإنما شُبه الإعادةُ بالإبداء تقريراً لإمكانها والقدرةِ عليها، وقيل: كما بدأكم من التراب تعودون إليه، وقيل: حفاةً عراة غُرْلاً تعودون إليه وقيل: كما بدأكم مؤمناً وكافراً يعيدكم.

.تفسير الآيات (30- 33):

{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
{فَرِيقًا هدى} بأن وفقهم للإيمان {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} بمقتضى القضاءِ السابقِ التابعِ للمشيئة المبنيةِ على الحِكَم البالغةِ، وانتصابُه بفعل مُضمرٍ يفسِّره ما بعده أي وخذل فريقاً {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} تعليلٌ لخِذلانه أو تحقيقٌ لضلالتهم {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} فيه دِلالةٌ على أن الكافرَ المُخطِىءَ والمعانِدَ سواءٌ في استحقاق الذمِّ وللفارق أن يحمِلَه على المقصِّر في النظر.
{يابنى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ} أي ثيابَكم لمواراة عورتِكم {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} أي طوافٍ أو صلاةٍ، ومن السنة أن يأخذ الرجلُ أحسنَ هيئتِه للصلاة وفيه دليل على وجوب سترِ العورة في الصلاة {وَكُلُواْ واشربوا} مما طاب لكم. روي أن بني عامرٍ كانوا في أيام حجِّهم لا يأكلون الطعام إلا قوتاً ولا يأكلون دسماً يعظِّمون بذلك حجهم فهمّ المسلمون بمثله فنزلت {وَلاَ تُسْرِفُواْ} بتحريم الحلالِ أو بالتعدّي إلى الحرام أو بالإفراط في الطعامِ والشّرَه عليه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كُلْ ما شئت والبَسْ ما شئت ما أخطأتْك خصلتانِ: سَرَفٌ ومَخِيلة. وقال علي بن الحسين بن واقد: جمع الله الطبَّ في نصف آية فقال: {كُلُواْ واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ} {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} أي لا يرتضي فعلَهم.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله} من الثياب وما يُتجمَّل به {التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} من النبات كالقُطن والكتّان، والحيوانِ كالحرير والصوفِ، والمعادن كالدروع {والطيبات مِنَ الرزق} أي المستلذاتِ من المآكل والمشارب، وفيه دليلٌ على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواعِ التجمُّلات الإباحةُ، لأن الاستفهامَ في مَنْ إنكاريٌّ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ} بالأصالة، والكفرةُ وإن شاركوهم فيها فبِالتَّبع {خَالِصَةً يَوْمَ القيامة} لا يشاركهم فيها غيرُهم وانتصابُه على الحالية، وقرئ بالرفع على أنه خبرٌ بعد خبر {كَذَلِكَ نُفَصِلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي مثلَ هذا التفصيلِ نفصِّلُ سائرَ الأحكامِ لقوم يعلمون ما في تضاعيفها من المعاني الرائقة.
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش} أي ما تفاحش قبحُه من الذنوب، وقيل: ما يتعلق منها بالفروج {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} بدلٌ من الفواحش أي جهرَها وسرَّها {والإثم} أي ما يوجب الإثمَ وهو تعميمٌ بعد تخصيص، وقيل: هو شربُ الخمر {والبغى} أي الظلم أو الكِبْر أُفرد بالذكر للمبالغة في الزجر عنه {بِغَيْرِ الحق} متعلق بالبغي مؤكدٌ له معنى {وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} تهكّمٌ بالمشركين وتنبيهٌ على تحريم اتباعِ ما لا يدل عليه برهان {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} بالإلحاد في صفاته والافتراء عليه كقولهم: {والله أَمَرَنَا بِهَا} وتوجيهُ التحريم إلى قولهم عليه تعالى ما لا يعلمون وقوعَه لا ما يعلمون عدمَ وقوعِه قد مر سرُّه.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}
{وَلِكُلّ أُمَّةٍ} من الأمم المُهلَكة {أَجَلٌ} حدٌّ معينٌ من الزمان مضروبٌ لِمَهلِكهم {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} إن جعل الضميرُ للأمم المدلولِ عليها بكل أمة فإظهارُ الأجل مضافاً إليه لإفادة المعنى المقصودِ الذي هو بلوغُ كلِّ أمةٍ أجلَها الخاصَّ بها ومجيئِه إياها بواسطة اكتسابِ الأجل بالإضافة عموماً يفيده معنى الجمعية كأنه قيل: إذا جاءهم آجالُهم بأن يجيء كلَّ واحدة من تلك الأمم أجلُها الخاصُّ بها، وإن جُعل لكل أمةٍ خاصةً كما هو الظاهرُ فالإظهارُ في موقع الإضمارِ لزيادة التقريرِ، والإضافةُ إلى الضمير لإفادة أكملِ التمييزِ أي إذا جاءها أجلُها الخاصُّ بها.
{لاَ يَسْتَأْخِرُونَ} عن ذلك الأجلِ {سَاعَةً} أي شيئاً قليلاً من الزمان فإنها مَثلٌ في غاية القلة منه لا يتأخرون أصلاً، وصيغةُ الاستفعال للإشعار بعجزهم وحِرمانهم عن ذلك مع طلبهم له {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} أي ولا يتقدمون عليه وهو عطفٌ على يستأخرون لكن لا لبيان انتفاءِ التقدمِ مع إمكانه في نفسه كالتأخر، بل للمبالغة في انتفاء التأخّرِ بنظمه في سلك المستحيلِ عقلاً كما في قوله سبحانه: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنّى تُبْتُ الان وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} فإن من مات كافراً مع ظهور أن لا توبةَ له رأساً قد نُظم في عدم القبولِ في سلك مَنْ سوّفها إلى حضور الموتِ إيذاناً بتساوي وجودِ التوبة حينئذ وعدمِها بالمرة. وقيل: المرادُ بالمجيء الدنوُّ بحيث يمكن التقدمُ في الجملة كمجيء اليومِ الذي ضُرب لهلاكهم ساعةٌ فيه وليس بذاك. وتقديمُ بيانِ انتفاءِ الاستئخار لما أن المقصودَ بالذات بيانُ عدمِ خلاصِهم من العذاب، وأما ما في قوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَخِرُونَ} من سبْق السبْقِ في الذكر فلِما أن المرادَ هناك بيانُ تأخيرِ إهلاكِهم مع استحقاقهم له حسبما ينبىء عنه قولُه تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الامل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} فالأهمُّ هناك بيانُ انتفاءِ السبْق.
{وَلِكُلّ أُمَّةٍ} من الأمم المُهلَكة {أَجَلٌ} حدٌّ معينٌ من الزمان مضروبٌ لِمَهلِكهم {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} إن جعل الضميرُ للأمم المدلولِ عليها بكل أمة فإظهارُ الأجل مضافاً إليه لإفادة المعنى المقصودِ الذي هو بلوغُ كلِّ أمةٍ أجلَها الخاصَّ بها ومجيئِه إياها بواسطة اكتسابِ الأجل بالإضافة عموماً يفيده معنى الجمعية كأنه قيل: إذا جاءهم آجالُهم بأن يجيء كلَّ واحدة من تلك الأمم أجلُها الخاصُّ بها، وإن جُعل لكل أمةٍ خاصةً كما هو الظاهرُ فالإظهارُ في موقع الإضمارِ لزيادة التقريرِ، والإضافةُ إلى الضمير لإفادة أكملِ التمييزِ أي إذا جاءها أجلُها الخاصُّ بها.
{لاَ يَسْتَأْخِرُونَ} عن ذلك الأجلِ {سَاعَةً} أي شيئاً قليلاً من الزمان فإنها مَثلٌ في غاية القلة منه لا يتأخرون أصلاً، وصيغةُ الاستفعال للإشعار بعجزهم وحِرمانهم عن ذلك مع طلبهم له {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} أي ولا يتقدمون عليه وهو عطفٌ على يستأخرون لكن لا لبيان انتفاءِ التقدمِ مع إمكانه في نفسه كالتأخر، بل للمبالغة في انتفاء التأخّرِ بنظمه في سلك المستحيلِ عقلاً كما في قوله سبحانه: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنّى تُبْتُ الان وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} فإن من مات كافراً مع ظهور أن لا توبةَ له رأساً قد نُظم في عدم القبولِ في سلك مَنْ سوّفها إلى حضور الموتِ إيذاناً بتساوي وجودِ التوبة حينئذ وعدمِها بالمرة. وقيل: المرادُ بالمجيء الدنوُّ بحيث يمكن التقدمُ في الجملة كمجيء اليومِ الذي ضُرب لهلاكهم ساعةٌ فيه وليس بذاك. وتقديمُ بيانِ انتفاءِ الاستئخار لما أن المقصودَ بالذات بيانُ عدمِ خلاصِهم من العذاب، وأما ما في قوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَخِرُونَ} من سبْق السبْقِ في الذكر فلِما أن المرادَ هناك بيانُ تأخيرِ إهلاكِهم مع استحقاقهم له حسبما ينبىء عنه قولُه تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الامل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} فالأهمُّ هناك بيانُ انتفاءِ السبْق.
{يا بني آدم} تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى كافة الناس اهتماماً بشأن ما في حيّزه {إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} هي إنْ الشرطيةُ ضُمَّت إليها {ما} لتأكيد معنى الشرطِ، ولذلك لزِمت فعلَها النونُ الثقيلةُ أو الخفيفةُ، وفيه تنبيه على أن إرسالَ الرسلِ أمرٌ جائزٌ لا واجبٌ عقلاً {رُسُلٌ مّنكُمْ} الجارُّ متعلقٌ بمحذوف هو صفةٌ لرسلٌ أي كائنون من جنسكم، وقولُه تعالى: {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءاياتى} صفةٌ أخرى لرسلٌ أي يبيِّنون لكم أحكامي وشرائعي، وقولُه تعالى: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} جملةٌ شرطيةٌ وقعت جواباً للشرط أي فمن اتقى منكم التكذيبَ وأصلح عملَه فلا خوف الخ، وكذا قولُه تعالى:

.تفسير الآيات (36- 37):

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)}
{والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا واستكبروا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} أي والذين كذبوا منكم بآياتنا، وإيرادُ الاتقاءِ في الأول للإيذان بأن مدارَ الفلاحِ ليس مجردَ عدمِ التكذيبِ بل هو الاتقاءُ والاجتنابُ عنه، وإدخالُ الفاءِ في الجزء الأولِ دون الثاني للمبالغة في الوعد والمسامحةِ في الوعيد.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بئاياته} أي تقوَّل عليه تعالى ما لم يقُلْه أو كذّب ما قاله، أي هو أظلمُ من كل ظالمٍ وقد مر تحقيقه مراراً {أولئك} إشارةٌ إلى الموصول، والجمعُ باعتبار معناه كما أن إفرادَ الفعلين باعتبار لفظِه، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بتماديهم في سوء الحالِ، أي أولئك الموصوفون بما ذُكر من الافتراء والتكذيب {يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} أي مما كُتب لهم من الأرزاق والأعمارِ، وقيل: الكتابُ اللوحُ، أي ما أُثبت لهم فيه وأياً ما كان فمِن الابتدائيةُ متعلقةٌ بمحذوف وقع حالاً من نصيبهم، أي ينالُهم نصيبُهم كائناً من الكتاب وقيل: نصيبُهم من العذاب وسوادِ الوجه وزُرقةِ العيون، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كُتب لمن يفتري على الله سوادُ الوجهِ قال تعالى: {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} وقوله تعالى: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا} أي ملكُ الموتِ وأعوانُه {يَتَوَفَّوْنَهُمْ} أي حالَ كونِهم مُتوفِّين لأرواحهم يؤيد الأول، فإن حتى وإن كانت هي التي يُبتدَأ بها الكلامُ لكنها غايةٌ لما قبلها فلابد أن يكون نصيبُهم مما يتمتعون بها إلى حين وفاتِهم أي ينالهم نصيبُهم من الكتاب إلى أن يأتيَهم ملائكةُ الموتِ فإذا جاءتهم {قَالُواْ} لهم {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي أين الآلهةُ التي كنتم تعبُدونها في الدنيا؟ و{ما} وقعت موصولةً بأين في خط المصحف وحقُّها الفصلُ لأنها موصولة {قَالُواْ} استئنافٌ وقع جواباً عن سؤال نشأ من حكاية سؤالِ الرسل، كأنه قيل: فماذا قالوا عند ذلك؟ فقيل: قالوا: {ضَلُّواْ عَنَّا} أي غابوا عنا أي لا ندري مكانَهم {وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} عطفٌ على قالوا أي اعترفوا على أنفسهم {أَنَّهُمْ كَانُواْ} أي في الدنيا {كافرين} عابدين لما لا يَستحِق العبادةَ أصلاً حيث شاهدوا حالَه وضلالَه ولعله أريد بوقت مجيءِ الرسل وحالِ التوفي الزمانُ الممتدُّ من ابتداء المجيءِ والتوفي إلى انتهائه يوم الجزاءِ بناءً على تحقق المجيءِ والتوفي في كل ذلك الزمان بقاءً وإن كان حدوثُهما في أوله فقط، أو قُصد بيانُ غاية سرعةِ وقوعِ البعثِ والجزاء كأنهما حاصلان عند ابتداءِ التوفي كما ينبىء عنه قوله عليه الصلاة والسلام: «من مات فقد قامت قيامتُه» وإلا فهذا السؤال والجوابُ وما ترتب عليهما من الأمر بدخول النارِ وما جرى بين أهلها من التلاعُن والتقاولِ إنما يكون بعد البعثِ لا محالة.